سورة التكوير - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (التكوير)


        


{الْجَوَارِ الْكُنَّسِ (16)}
{الجَوَارِي} جمع جارية من الجري وهو المر السريع وأصله لمر الماء ولما يجري بجريه {الجوار الكنس} جمع كانس وكانسة من كنس الوحش إذا دخل كناسه وهو بيته الذي يتخذه من أغصان الشجر والمراد بها على ما أخرج الفريابي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن أبي حاتم والحاكم وصححه من طرق عن علي كرم الله تعالى وجهه الكواكب أي جميعها فقيل لأنها تخنس بالنهار فتغيب عن العيون وتكنس بالليل أي تطلع في أماكنها كالوحش في كنسها وفي تفسير تكنس بتطلع خفاء وقيل لأنها تخنس نهارًا وتخفى عن العيون مع طلوعها وكونها فوق الأفق وتكنس بعد طلوعها في المغيب وتدخل فيه كما تكنس الطباء في الكنس فتكون تحت الأفق بعد إن كانت فوقه وروي تفسيرها بالكواكب عن الحسن وقتادة أيضًا وأخرج ابن أبي حاتم عن الأمير كرم الله تعالى وجهه أنه قال: هي خمسة أنجم زحل وعطارد والمشتري وبهرام يعني المريخ والزهرة والخنس الرواجع من خنس إذا تأخر ووصفت بما ذكر في الآية لأنها تجري مع الشمس والقمر وترجع حتى تخفى تحت ضوء الشمس فخنوسها رجوعها بحسب الرؤية وكنوسها اختفاؤها تحت ضوئها وتسمى المتحيرة لاختلاف أحوالها في سيرها فيما يشاهد فلها استقامة ورجعة وإقامة فبينما تراها تجري إلى جهة إذا بها راجعة تجري إلى خلاف تلك الجهة وبينما تراها تجري إذا بها مقيمة لا تجري وسبب ذلك على ما قال المتقدمون من أهل الهيئة كونها في تداوير في حوامل مختلفة الحركات على ما بين في موضعه وللمحدثين منهم النافين لما ذكر غير ذلك مما هو مذكور في كتبهم وهي مع الشمس والقمر يقال لها السيارات السبع لأن سيرها بالحركة الخاصة مما لا يكاد يخفى على أحد بخلاف غيرها من الثوابت وأخرج الخطيب في كتاب النجوم وابن مردويه عن ابن عباس أنها المرادة هنا ووصفهاب الخنس عنى الرواجع قيل من باب التغليب إذ لا جعة للشمس ولا للقمر وبالخنس لاختفائها في مغيبها وقيل الوصفان باعتبار أنها تغيب عن العيون وتطلع في أماكنها على نحو ما تقدم على تقدير أن يكون المراد بها الكواكب جميعها وكون السيارات هي هذه السبع هو المعروف عند المتقدمين من المنجمين وأما اليوم فقد ضموا إليها كواكب أخر يقال لها وستًا وزونوا وبالاس وسرس وأورونوس ويسمى هرشل وهو اسم المنجم الذي ظفر به بالرصد وبينوا مقدار أقطارها وأبعادها وحركاتها ولولا مخافة التطويل لذكرت ذلك وعدوا من جملة السيارات الأرض بناءً على زعمهم أن لها حركة حول الشمس واشتهر أنهم لم يعدوا القمر منها لكونه من توابع الأرض بزعمهم وأخرج الحاكم وصححه وجماعة من طرق عن ابن مسعود أنها بقر الوحش وأخرج نحوه ابن أبي حاتم عن ابن عباس وعبد بن حميد عن مجاهد وأبي ميسرة والحسن وحكاه في البحر عن النخعي وجابر بن زيد وجماعة وأخرج ابن جرير عن الحبر أنها الظباء وروي ذلك أيضًا عن ابن جبير والضحاك قالوا والخنس تأخر الأنف عن الشفة مع ارتفاع قليل من الأرنبة وتوصف به بقر الوحش والظباء ومنه قول بعض المولدين:
ما سلم الظبي على حسنه *** كلا ولا البدر الذي يوصف
فالظبي فيه خنس بين *** والبدر فيه كلف يعرف


{وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ (17)}
{واليل إِذَا عَسْعَسَ} أي أدبر ظلامه أو أقبل وكلاهما مأثوران عن ابن عباس وغيره وهو من الأضداد عند المبرد وقال الراغب العسعسة والعساس رقة الظلام وذلك في طرفي الليل فهو من المشترك المعنوي عنده وليس من الأضداد وفسر عسعس هنا بأقبل وأدبر معًا وقال ذلك في مبدأ الليل ومنتهاه وقال الفراء أجمع المفسرون على أن معنى عسعس أدبر وعليه العجاج يصف الخمر أو المفازة.
حتى إذا الصبح لها تنفسا *** وانجاب عنها ليلها وعسعسا
وقيل هي لغة قريش خاصة وقيل كونه عنى أقبل ظلامه أوفق بقوله تعالى:


{وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ (18)}
{والصبح إِذَا تَنَفَّسَ} فإنه أول النهار فيناسب أول الليل وقيل كونه عنى أدبر أنسب بهذا لما بين أدبار الليل وتنفس الصبح من الملاصقة فيكون بينهما مناسبة الجوار والمراد من تنفس الصبح على ما ذكر غير واحد إضاءته وتبلجه وفي الكشاف أنه إذا أقبل الصبح أقبل بإقباله روح ونسيم فجعل ذلك نفسًا له على المجاز وقيل تنفس الصبح وعنى بالمجاز الاستعارة لأنه لما كان النفس ريحًا خاصًا يفرح عن القلب انبساطًا وانقباضًا شبه ذلك النسيم بالنفس وأطلق عليه الاسم استعارة وجعل الصبح متنفسًا لمقارنته له ففي الكلام استعارة مصرحة وتجوز في الإسناد وظاهر كلام بعضهم أنه بعد الاستعارة يكون ذلك كناية عن الإضاءة وجوز أن يكون هناك مكنية وتخييلية بأن يشبه الصبح اش وآت من مسافة بعيدة ويثبت له التنفس المراد به هبوب نسيمه مجازًا على طريق التخييل كما في {ينقضون عهد الله} [البقرة: 27] وقال الإمام النهار بغشيان الليل المظلم كالمكروب وكما أنه يجد راحة بالتنفس كذلك تخلص الصبح من الظلام وطلوعه كأنه تخلص من كرب إلى راحة وهذا أدق مما في الكشاف كما لا يخفى وجوز أن يقال إن الليل لما غشي النهار ودفع به إلى تحت الأرض فكأنه أماته ودفنه فجعل ظهور ضوئه كالتنفس الدال على الحياة وهو نحو مما نقل عن الإمام وقيل تنفس أي توسع وامتد حتى صار نهارًا والظاهر أن التنفس في الآية إشارة إلى الفجر الثاني الصادق وهو المنتشر ضوءه معترضًا بالأفق بخلاف الأول الكاذب وهو ما يبدو مستطيلًا وأعلاه أضوأ منت باقيه ثم يعدم وتعقبه ظلمة أو يتناقص حتى ينغمر في الثاني على زعم بعض أهل الهيئة أو يختلف حاله في ذلك تارة وتارة بحسب الأزمنة والعروض على ما قيل وسمي هذا الكاذب عارضًا ففي خبر مسلم «لا يغرنكم أذان بلال ولا هذا العارض لعمود الصبح حتى يستطير» أي ينتشر ذلك العموم في نواحي الأفق وكلام بعض الأجلة يشعر بأنه فيها إشارة إلى الكاذب حيث قال يؤخذ من تسمية الفجر الأول عارضًا للثاني أنه يعرض للشعاع الناشىء عنه الفجر الثاني انحباس قرب ظهوره كما يشعر به التنفس في قوله تعالى: {والصبح إِذَا تَنَفَّسَ} فعند ذلك الانحباس يتنفس منه شيء من شبه كوة والمشاهد في المنحبس إذا خرج بعضه دفعة أن يكون أوله أكثر من آخره ويعلم من ذلك سبب طول العمود وأضاءه أعلاه إلى آخر ما قال وفيه بحث ثم الظاهر أن تنفس الصبح وضياءه بواسطة قرب الشمس إلى الأفق الشرقي قدار معين وهو في المشهور ثمانية عشر جزءًا وقول الإمام: إنه يلزم على ذلك بناءً على كرية الأرض واستضاءة أكثر من نصفها من الشمس دائمًا ظهور الضياء وتنفس الصبح إذا فارقت الشمس سمت القدم من دائرة نصف النهار وذلك بعيد نصف الليل والواقع خلافه تشكيك فيما يقرب أن يكون بديهيًا وفيه غفلة عن أحوال ظل الأرض وانعكاس الأشعة من أبصار سكنة أقطارها فتأمل ولا تغفل والواو في قوله تعالى والصبح والليل على ما نقل عن ابن جني للعطف وإذا ليس معمولًا لفعل القسم لفساد المعنى إذ التقييد بالزمان غير مراد حالًا كان أو استقبالًا وإنما هو على ما اختاره غير واحد معمول مضاف مقدر من نحو العظمة لأن الإقسام بالشيء إعظام له كأنه قيل ولا أقسم بعظمة الليل زمان عسعس وبعظمة النهار زمان تنفس على نحو قولهم عجبًا من الليث إذا سطا فإنه ليس المعنى على تقييد بالليل كائنًا إذا عسعس والحال مقدرة أي مقدرًا كونه في ذلك الوقت وصرح العلامة التفتازاني في التلويح في مثله أن إذا بدل من الليل إذ ليس المراد تعليق القسم وتقييده بذلك الوقت ولهذا منع المحققون كونه حالًا من الليل لأنه أيضًا يفيد تقييد القسم بذلك الوقت وسيأتي إن شاء الله تعالى في تفسير سورة الشمس ما يتعلق بهذا المقام أيضًا.

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9